القاهرة | تتابع مصر بقلق مآلات التصعيد الإقليمي، بعد العدوان الإسرائيلي على إيران وما تبعه من ردّ إيراني، والتي تنذر بعواقب وخيمة على استقرار المنطقة بأسرها. وبحسب مصادر مصرية، فإن القاهرة تدرك «خطورة المشهد، وهو ما دفعها إلى تكثيف اتصالاتها الدبلوماسية، مع قناعة واضحة بأن أفق النجاح في هذه المرحلة محدود للغاية، نتيجة تشابك المصالح وتباين مواقف الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة».
وفيما تدرك القيادة السياسية المصرية أن الحل لا يكمن فقط في وقف مؤقت لإطلاق النار، وإنما في «معالجة جذور الأزمة عبر استئناف المسار الدبلوماسي»، تتمثّل العقبة الأساسية أمام هذا المسار في الموقف الأميركي الذي يتسم بـ«التردّد والازدواجية، فضلاً عن موقف إسرائيلي متشدّد يسعى لفرض وقائع عسكرية على الأرض قبل أي تفاوض محتمل».
ومنذ شنّ العمليات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، كثّفت مصر اتصالاتها مع مختلف الأطراف، سواء على الصعيد العربي أو الدولي، بهدف «استكشاف إمكانية فتح نافذة للتهدئة ووقف العمليات العسكرية». ومع ذلك، لا تراهن القاهرة كثيراً على نتائج إيجابية لمساعي التهدئة، نظراً إلى «تعقيدات الموقف الميداني، وغياب رغبة حقيقية من القوى الكبرى في ممارسة ضغط جادّ على الأطراف المتصارعة».
ووسط الاتصالات التي تجريها القاهرة مع الأطراف الأوروبيين، وخصوصاً مع مسؤولين فرنسيين وبريطانيين، تنقل المصادر عن المسؤولين المصريين ما تسمّيه «اختلافاً في أولويات العواصم الأوروبية، وتبايناً في نظرتها إلى ما يجري بين إسرائيل وإيران». كما تنقل عنهم قولهم إن «الدور الأوروبي يبدو محدودَ التأثير في ظلّ انفراد الولايات المتحدة وإسرائيل باتخاذ القرار على الأرض»، واستغرابهم «بعض المواقف المفاجئة والمشجّعة لإسرائيل بشكل مفاجئ على غرار ما صدر عن ألمانيا».
ترى القاهرة أن جهود التهدئة من شأنها أن تصطدم بـ«عقبات جدّية، في مقدّمتها غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الأطراف الكبرى»
وشملت الاتصالات المصرية أيضاً مناقشات موسّعة مع تركيا. وبحسب المصادر، فقد حرصت أنقرة على «إطلاع القاهرة على تفاصيل مبادرتها ودعوتها إلى عقد لقاءات على مستويات عليا، بما يشمل دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحضور». وقوبل ذلك بـ«ترحيب مصري مبدئي، وإن كان واضحاً أن ترامب لا يظهر أي حماس للمشاركة في هذه الجهود أو حضور مثل هذه اللقاءات»، فيما تدرك القاهرة أن الطريق إلى أي تفاوض «سيكون صعباً ومليئاً بالعقبات، في ظلّ هذا التردّد الأميركي»، وفقاً للمصادر.
وبناءً على الاتصالات التي أجريت مع الجانب الأميركي، لا يخفي المسؤولون المصريون «قلقهم العميق من خطورة المسار الحالي، خاصة مع ما عكسته هذه الاتصالات من «إشارات بالغة السلبية؛ إذ بدا أن الإدارة الأميركية تناقش مختلف المقترحات كخيارات قابلة للتنفيذ وليس مجرّد تهديدات»، الأمر الذي اعتبرته القاهرة «انعكاساً لنية محتملة في توسيع نطاق العمليات العسكرية، وهو ما قد يجرّ المنطقة إلى حرب شاملة تصعب السيطرة على تداعياتها»، طبقاً للمسؤولين.
وإلى جانب ذلك، نبّهت القاهرة، واشنطن، إلى «ضرورة عدم الانجرار وراء كل ما تقدّمه إسرائيل من معلومات، خاصة أن بعض هذه المعلومات قد تكون غير دقيقة أو تستهدف جرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع المواجهة المباشرة». كما حذّرت من أن «استمرار النهج الحالي قد يفضي إلى أزمة كبرى للمصالح الأميركية نفسها في المنطقة، بما في ذلك تهديد استقرار الحلفاء التقليديين لواشنطن في الشرق الأوسط». وفي الوقت نفسه، لا تغيب القاهرة عن متابعة ردود الفعل الإيرانية واحتمالات توسيع نطاق الردود العسكرية لتشمل أهدافاً أميركية وإسرائيلية في دول أخرى، وهو ما تعتبر القاهرة أنه «قد يشكّل تهديداً مباشراً لأمنها القومي وللاستقرار الإقليمي ككل».
وفي ظل غياب بوادر لحل قريب، على الرغم من استمرار الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في الدفع بمبادرات لعقد لقاءات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، تتعامل مصر مع الموقف بـ«حذر شديد»، كونها ترى أن تلك الجهود من شأنها أن «تصطدم بعقبات جدية، في مقدّمتها غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الأطراف الكبرى»، في وقت لا تمانع فيه دعم أي جهد قد يسهم في تخفيف حدّة الأزمة، شريطة أن يكون مبنياً على «احترام قواعد القانون الدولي ومبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول». وعليه، تحرص القاهرة على «إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف، استعداداً للعب دور أكبر حالما تتاح الفرصة لبدء مسار تفاوضي جادّ.